قال بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي ومصادر مطلعة ان المتعامل المتهم بالمسؤولية عن أكبر عملية احتيال مصرفي في العالم هو مصرفي صغير استغل معرفته الوثيقة بنظم التحكم في المخاطر بالبنك لاخفاء شهور من المعاملات غير القانونية.
وقالت مصادر داخل البنك ان المتعامل يدعي جيروم كيرفيل (31 عاما) وهو موظف بمكتب مشتقات الاسهم الاوروبية في مقر البنك بباريس ويقل راتبه عن 100 ألف يورو (146.5 الف دولار) سنويا.
واتهم سوسيتيه جنرال المتعامل بتكوين مراكز مدينة هائلة دونما تفويض وبشكل احتيالي في عامي 2007 و2008 علي مؤشرات الاسهم الاوروبية مما كبد البنك خسائر قدرها 4.9 مليار يورو أثناء تصفية المراكز في أسواق شديدة الاضطراب هذا الاسبوع.
وأبلغ عضو رفيع بمجلس ادارة البنك رويترز أن كيرفيل لم يكن نجما . لكن كريستيان نوييه محافظ بنك فرنسا المركزي صرح للصحافيين بأن المتعامل محتال عبقري .
ولم تكتشف المشكلة الا في مطلع الاسبوع. وقد اجتمع كيرفيل نفسه مع مسؤولي البنك وجها لوجه هذا الاسبوع بينما كانوا يحاولون كشف شبكة الخداع التي تخترق كل آليات السلامة في البنك التي يفترض أنها متقدمة.
وأبلغ نوييه مؤتمرا صحافيا اتضح أن هذا كان ممكنا لان كيرفيل شخص علي دراية بنظم التحكم الداخلية من وظيفته السابقة وهو بدون شك عبقري في الحاسبات الآلية .
وانضم كيرفيل الي سوسيتيه جنرال عام 2002 وكان يتعامل في واحدة من أبسط الادوات المالية ضمن عالم المشتقات المعقد وهي العقود الآجلة علي مؤشرات الاسهم الاوروبية. ويبدو أن كيرفيل ضارب بشكل واسع وخاطئ علي صعود في مؤشرات الاسهم الاوروبية.
وقدر مصدر بالبنك أن الخسائر كانت مليار يورو فقط مطلع الاسبوع لكنها تفاقمت سريعا عندما تحرك سوسيتيه جنرال لتنظيف دفاتره يومي الاثنين والثلاثاء مع تدهور أسواق الاسهم الاوروبية.
وقال دانيال بوتون رئيس مجلس ادارة سوسيتيه جنرال في مؤتمر صحافي هذه الخسائر كان من الممكن أن تصبح مكاسب لو ارتفعت السوق يوم الاثنين والثلاثاء والاربعاء .
وباعتباره موظفا صغيرا كانت هناك قيود صارمة علي المراكز التي يستطيع تكوينها، لكنه كان يعرف كيف يتجاوز هذه القيود بعد خمس سنوات أمضاها في مكتب العمليات الادارية وادارة المخاطر بالبنك في بداية حياته الوظيفية.
وقال سوسيتيه جنرال في بيان لقد تمكن من اخفاء هذه المراكز عن طريق مخطط من العمليات الوهمية المتعمدة . لكن زملاءه متحيرون بشأن دوافعه. وقال مسؤولون انه لا يوجد ما يشير الي أنه كان يحاول سرقة البنك أو أنه كان يعمل مع شخص اخر. وقال بوتون دوافعه غير مفهومة تماما. لا يبدو أنه كان سيتربح مباشرة من هذا الاحتيال الهائل . وشوهد كيرفيل للمرة الاخيرة في سوسيتيه جنرال يوم الاحد الماضي. وهو مختبيء منذ ذلك الوقت بينما تطارده الشرطة والصحافة.
وتظهر صورة له من موقع تداول الكتروني شابا جادا يحدق في الكاميرا بتجهم وهو يزم شفتيه. ولكيرفيل حساب في الموقع الاجتماعي فيسبوك.كوم. وعندما كشفت هويته بعد ظهر اليوم كان لديه 11 صديقا علي قائمته. وتراجع العدد الي أربعة بعد ساعات.
وخسائر سوسيتيه جنرال هي الاكبر في تاريخ المؤسسات المالية التي يسببها متعامل واحد وتتجاوز كثيرا خسائر قدرها 850 مليون جنيه استرليني (1.4 مليار دولار) الحقها المتعامل نيك ليسون ببنك بارينغز البريطاني في تسعينات القرن الماضي لكن أوجه الشبه بين الحالتين واضحة. ففي كلتا الحالتين كان المتعامل قد سبق له العمل بمكتب العمليات الادارية للبنك وتعلم كل شيء عن نظم الحاسب الالي ثم رقي الي قاعة التداول حيث كون خسائر ضخمة تحت أنف رؤسائه الذين لم يخامرهم أدني شك.
وقال استشاري نظم أمنية لدي شركة خدمات متخصصة في لندن معرفة أي شيء تصبح أمرا خطيرا اذا وقعت في أيد غير أمينة واذا كنت تعرف ما هي القيود الامنية فان الالتفاف حولها يصبح أسهل .
غير أن كثيرا من المصرفيين مندهشون لعدم اكتشاف رؤسائه المشكلة مبكرا. وقال رئيس تداول المشتقات ببنك أمريكي وقد طلب عدم نشر اسمه الكل يسأل نفسه... كيف استطاع متعامل واحد فقط التغلب علي كل هؤلاء الرجال الحاذقين في سوسيتيه جنرال. خمسة مليارات يورو هي خسائر هائلة. انها تمثل مراكز بعشرات المليارات من اليورو... ربما 30 أو 40 مليارا. كيف لشخص واحد بمفرده أن يفعل هذا. .
وتساءل البعض أيضا كيف لم تكتشف البنوك والاطراف الاخري بالسوق التي تتعامل مع سوسيتيه جنرال الامر طوال تلك الفترة. وقال فرديدرك هام مدير صناديق الاستثمار في مؤسسة اجيليس جستيون لايزال هناك جهل شامل... كيف يتأتي ألا يحذر الوسطاء سوسيتيه جنرال .
بل ان حتي أثرياء فرنسا عبروا عن دهشتهم ازاء حجم المبالغ المهدرة. وقال الملياردير فنسان بولور للصحافيين من غير المعقول أن يتسبب شخص واحد في خسائر تصل الي 4.9 مليار يورو مثل هذه. انه مبلغ هائل من المال . وتابع ربما يشربون الشمبانيا الان في بي.ان.بي/باريبا ملمحا الي محاولات في الماضي من جانب بي.ان.بي للاستحواذ علي سوسيتيه جنرال. وعنونت صحيفة (لاتريبون) الاقتصادية الفرنسية صفحتها الرئيسية كالتالي غموض عملية احتيال قيمتها خمسة مليارات يورو . وتساءلت علي غرار العديد من المحللين كيف يمكن ان يتعرض مصرف بهذا الحجم يتباهي بخبراته في الاسواق لكارثة بهذا الحجم؟ ولماذا كل هذا الوقت لاكتشاف مدي الاضرار؟ .
وفي جامعة ليون، حيث نال جيروم شهادة ماجستير في عمليات الاسواق المالية بدرجة عادية، يقول المسؤولون انه كان طالبا عاديا وليس عبقري معلوماتية كما اشار المصرف مبررا كيف تمكن من تحييد كل اجراءات الرقابة الداخلية.
من جهتها ضاعفت الطبقة السياسية بجميع اتجاهاتها الدعوات الي مزيد من الشفافية، ورات المعارضة الاشتراكية في هذه القضية رمزا للمال المجنون .
بدورها، اعتبرت الصحف الاميركية ان المصرف ساهم في هبوط الاسواق العالمية مطلع الاسبوع الحالي عبر اقدامه علي تصفية مراكز تنطوي علي مجازفات كبيرة.